فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة العلق:
{اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق}
وقوله عزَّ وجلَّ: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق...}.
هذا أول ما أنزل على النبي صلى الله عليه من القرآن.
{خلق الإنسان مِنْ علق}
وقوله عز وجل: {خلق الإنسان مِنْ علق...}.
قيل: من علق، وإنما هي علقةٌ، لأنّ الإنسان في معنى جمع، فذهب بالعلق إلى الجمع لمشاكلة رءوس الآيات.
{أَن رَّآهُ استغنى}
وقوله عز وجل: {أَن رَّآهُ استغنى...}.
ولم يقل: أن رأى نفسه؛ والعرب إذا أوقعت فعلا يكتفى باسم واحد على أنفسها، أو أوقعته من غيرها على نفسه جعلوا موضع المكنى نفسه، فيقولون: قتلتَ نفسك، ولا يقولون: قتلتَك قتلته، ويقولون: قتل نفسَه، وقتلتُ نفسى، فإذا كان الفعل يريد: اسما وخبرا طرحوا النفس فقالوا: متى تراك خارجاً، ومتى نظنك خارجاً؟ وقوله عز وجل: {أَن رَّآهُ استغنى} من ذلك.
{أَرَأَيْتَ الَّذِي ينهى عَبْداً إِذَا صلى}
وقوله جل وعز: {أَرَأَيْتَ الَّذِي ينهى عَبْداً إِذَا صلى...}.
نزلَت في أبى جهل: كان يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاّه، فيؤذيه وينهاه، فقال الله تبارك وتعالى، {أَرَأَيْتَ الَّذِي ينهى عَبْداً إِذَا صلى}؟ يعنى النبي صلى الله عليه وسلم.
{أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى}
ثم قال جل وعز: {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى...}.
وفيه عربية، مثله من الكلام لو قيل: أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى وهو كاذب متولٍّ عن الذكر؟ أى: فما أعجب من ذا.
{أَلَمْ يعلم بِأَنَّ اللَّهَ يرى كَلاَّ لئن لم ينته لَنَسْفَعاً بالناصية}
ثم قال: وَيْلَهُ!، {أَلَمْ يعلم بِأَنَّ اللَّهَ يرى...}.
يعنى: أبا جهل، ثم قال: {كَلاَّ لئن لم ينته لَنَسْفَعاً بالناصية...}.
ناصيته: مقدم رأسه، أى: لَنَهْصرنها، لنأخذن بها لَنُقْمِئَنَّه ولنذلّنه، ويقال: لنأخذن بالناصية إلى النار، كما قال جلّ وعز، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِى والأَقْدَامِ}، فيُلقَون في النار، ويقال: لتسوّدَنَّ وجهه، فكفَتِ الناصية من الوجه؛ لأنها في مقدّم الوجه.
{كَلاَّ لئن لم ينته لَنَسْفَعاً بالناصية نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خاطئة}
وقوله عز وجل: {لَنَسْفَعاً بالناصية... نَاصِيَةٍ...}.
على التكرير، كما قال: {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللهِ} المعرفة تُرد على النكرة بالتكرير، والنكرة على المعرفة، ومن نصب {ناصيةً} جعله فعلا للمعرفة وهى جائزة في القراءة.
{فَلْيَدْعُ ناديه سَنَدْعُ الزبانية}
وقوله عز وجل: {فَلْيَدْعُ ناديه... سَنَدْعُ الزبانية...}.
فهم أقوى وهم يعملون بالأيدى والأرجل، والناقة قد تزْبِن الحالب وتركضه برجلها.
وقال الكسائى بأَخَرة واحد الزبانية زِبْنِىٌّ وكان قبل ذلك يقول: لم أسمع لها بواحد، ولست أدرى أقياسًا منه أو سماعاً. وفى قراءة عبد الله: {كَلاَّ لئن لم ينته لأسْفَعاً بالناصية}، وفيها: {فَلْيَدْعُ إلىّ ناديه فَسَأَدْعُو الزبانية}.
{فَلْيَدْعُ ناديه}
وقوله عز وجل: {فَلْيَدْعُ ناديه...} قومه.
والعرب تقول: النادى يشهدون عليك، والمجلس، يجعلون: النادىَ، والمجلس، والمشهد، والشاهد- القوم قوم الرجل، قال الشاعر:
لهمْ مجلِسٌ صُهْبُ السِّبَالِ أذِلَّةٌ ** سواسيةٌ أحرارُها وعبيدُها

أى: هم سواء. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة العلق:
{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الهدى}
قال: {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الهدى} ثم قال: {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى} [13] فجعلها بدلا منها وجعل الخبر {أَلَمْ يعلم بِأَنَّ اللَّهَ يرى} [14].
{فَلْيَدْعُ ناديه سَنَدْعُ الزبانية}
وقال: {فَلْيَدْعُ ناديه} {سَنَدْعُ [185 ب] الزبانية} فـ {ناديه} ها هنا عشيرته وانما هم أهل النادي والنادي مكانه ومجلسه. واما {الزبانية} فقال بعضهم: واحدها (الزَبانِي) وقال بعضهم: (الزَابِن) سمعت (الزابِنَ) من عيسى بن عمر.
وقال بعضهم (الزِبْنِية). والعرب لا تكاد تعرف هذا وتجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل (أَبابِيل) تقول: (جاءَتْ إِبِلِي أبابِيل) أي: فِرَقاً. وهذا يجيء في معنى التكثير مثل (عَباديِد) و(شَعارِير). اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة العلق:
6-، 7- {إِنَّ الإنسان ليطغى أَنْ رَآهُ استغنى} أي يطغي أن رأى نفسه استغنى.
8- {الرجعى}: المرجع.
15- {لَنَسْفَعاً بالناصية} أي لنأخذنّ بها. يقال: اسفع بيده، أي خذ بيده.
17- {فَلْيَدْعُ ناديه}: أهل ناديه، أي ينتصر بهم. و(النادي): المجلس. يريد: قومه.
18- {سَنَدْعُ الزبانية} قال قتادة: هم: الشّرط، في كلام العرب.
وقال غيره: وهو من (الزّبن) مأخوذ. و(الزبن): الدفع. كأنهم يدفعون أهل النار إليها. واحدهم: (زبنية). اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة العلق:
7 {أَنْ رَآهُ استغنى}: أن رأى نفسه، مثل: رأيتني وظننتني.
15 {لَنَسْفَعاً بالناصية}: يجرن بناصيته إلى النّار.
وقيل: معناه تسويد الوجه، والسّفعة: السّواد. وفي الحديث: «أنا وسفعاء الخدين كهاتين»، وضمّ إصبعيه، أي: التي بدّل بياض وجهها سوادا إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها.
16 {ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ}، المعنيّ بها النّفس، وخص موضع النّاصية لأنّه أول ما يبدو من الوجه، كما قال تبارك وتعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ}، وكسرها على البدل، ويجوز بدل النكرة من المعرفة.
17 {فَلْيَدْعُ ناديه}: أهل ناديه.
و{الزبانية}: العظام الخلق، الشّداد البطش. وفي حديث معاوية: «ربّما زبنت النّاقة فكسرت أنف حالبها». اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة العلق:
وتسمى سورة التعليم و(اقرأ) أيضا.
عدد 1 (نزولا)- 96 (في ترتيب المصحف).
وهي تسع عشرة آية.
واثنتان وسبعون كلمة.
ومائتان وثمانون حرفا.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
ولا يوجد في القرآن سورة بدئت أو ختمت بما بدئت أو ختمت به.
وقد نزلت في غار حراء بمكة يوم الجمعة في 17 رمضان سنة 41 أو 27 رمضان سنة 41 من ميلاده صلى الله عليه وسلم.
ومثلها في عدد آياتها سورتا الأعلى والانفطار.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: {اقرأ} يا محمد ما أوحيته إليك على لسان رسولي جبريل من القرآن الذي أردنا إنزاله عليك لتتلوه على أمتك، مبتدأ {بِاسْمِ رَبِّكَ} الذي رباك وأنعم عليك به واختارك لإرشاد عباده، وهذا أول أمر أمره به ربه بأن يذكر اسمه تيمّنا به ثم يقرأ ما يوحيه إليه تأدبا لحضرته الكريمة وتعريفا لعنوان الربوبية المنبئة عن حال التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق به شيئا فشيئا، وبإضافة الضمير إليه تعالى اشعار بتبليغه عليه السلام الغاية القصوى من الكمالات البشرية بإنزال هذا القرآن عليه، ثم وصف ذاته جلت وعظمت بقوله: {الَّذِي خلق 1} كل شيء وبدأ خلقه من لا شيء وصور جميع خلقه على غير مثال سابق باسمه البديع الذي (خلق الإنسان) الذي هو أشرف المخلوقات وأبدع المصنوعات الذي منه تقتبس المكونات البشرية وبه تقوم المكونات الإلهية، قال علي كرّم اللّه وجهه:
دواؤك فيك ولا تشعر ** وداؤك منك ولا تبصر

وتزعم أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر

.مطلب معنى العلق وفضل الإنسان:

هذا وان اللّه تعالى يعلم خلقه بأن هذا المخلوق العظيم خلقه {مِنْ علق 2} يريد بذلك بني آدم كلهم، أما آدم عليه السلام فقد خلقه من تراب لأن العلق هو الدم الذي تجمد عن ولوج الحيوان الذي يطلق عليه لفظ علق أيضا، وهذا بيان لكمال قدرته بإظهار ما بين حالتي الإنسان الأولى والأخرى من التباين.
وقد ذكّر اللّه نبيه بأول نعمة فائضة عليه منه وهي الخلق لأنه أقدم الدلائل الدالة على وجوده، وجاء علق بلفظ الجمع لأن (أل) فيه للاستغراق لتشمل جميع أفراد الإنسان.
هذا ومن فسر الإنسان بآدم قال إن أل فيه للجنس الصادق بالواحد والقدر، وعليه يكون المعنى أصل الإنسان وجنسه آدم عليه السلام، وليس بشيء، لأن اللّه تعالى صرح في كتابه بآيات متعددة بأنه خلقه من الطين ومن التراب هذا.
وفي قوله اقرأ إشارة إلى أنه تعالى خلق الإنسان للقراءة كما خلقه للعبادة لأنه ذكر الخلق بعد الأمر بالقراءة كما في قوله جل قوله: {خلق الإنسان} الآية 4 من سورة الرحمن بعد قوله: {الرَّحْمنُ عَلَّمَ القرآن} تنبيه لهذا، وانظر لقوله عز قوله: {وَما خلقتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الآية 56 من الذاريات وذلك لأن القراءة أصل العبادة كيف لا وفيها البعد عن الجهل المفني للأمم، وما فازت أمة إلا بقدر علومها ومعارفها الدينية والدنيوية، ولهذا كرر تعالى الأمر لحبيبه بقوله: {اقرأ} لنفسك ولغيرك فتعلّم وعلّم، ثم مهد له جل شأنه ما بينه من العذر إلى جبريل عليه السلام حين ضمّه وقال له اقرأ فقال ما أنا بقارئ على النحو المار ذكره في المطلب الثاني عشر، وازاحه عنه بقوله: {وَرَبُّكَ الأكرم 3} الذي لا يوازيه كريم، الذي منّ عليك بالرسالة من غير طلب، يمنّ عليك بالقراءة من غير تعليم، كيف لا وهو {الَّذِي عَلَّمَ} بفضله وكرمه وعطفه ولطفه أنواع العلوم وفهّم القارئ الكتابة {بالقلم 4} لمعرفة الأمور الغائبة وحفظ الحاضرة والمستقبلة وضبطها وتدوينها، واثبات علوم الأولين وسيرهم والاطلاع على منافعها لئلا يتطرق إليها الضياع والنّسيان، إذ لو بقيت في الصدور دون تدوين لنسيت وضاعت الفائدة منها، والكريم هو الذي يعطي لا لغرض ولا لعوض وهو اللّه الذي {عَلَّمَ الإنسان} انواع العلوم وهداه إلى معرفة الحقائق الكلية والجزئية الجلية والخفية {ما لَمْ يعلم 5} من المكونات الأرضية والسماوية مما لم يخطر بباله ولا يتصوره بخياله، فقد علّم آدم الأسماء كلها كما سيأتي في الآية 30 من سورة البقرة، وعلم محمدا علوم الأولين والآخرين مع انه أمي، وفيه دلالة على كمال كرمه جلّ كرمه بأنه علم عباده مالا تحيط به عقولهم عفوا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم.

.مطلب ما رثي نوما لا يعد قرآنا، وأصل الكتابة بفوائدها:

انتهت الآيات الخمس التي نزلت دفعة واحدة أول الوحي فينبغي لمن يريد حفظ القرآن أن يحفظه خمسا خمسا فهو أعون على حفظه كله لأن الرسول قد حفظها حال نزولها، وما قاله بعض المفسرين من أنه تلقى هذه الآيات الخمس من الملك في سنة من النوم ثم تلقاها يقظة لا طائل تحته ولا قيمة له بل ولا صحة له، والحديث في هذا رواه الطبراني عن ابن الزبير موقوفا وهو يقابل ما جاء في الصحيحين على فرض صحته لأن الصحيح ما جاء في الصحيحين بأنه تلقاها حال اليقظة نهارا كما أثبتناه آنفا في المطلب الثاني عشر، لأن ما يراه الرسول في النوم لا يسمى قرآنا، وسيأتي لهذا البحث صلة في تفسير سورة الكوثر الآتية فراجعها.
قال قتاده: لولا القلم لم يقم دين ولم يصلح عبش لأن الكلام عبارة عن هواء فإذا لم يقيد ضاع، وفيه قيل:
العلم صيد والكتابة قيده ** قيد صيودك بالحبال الموثقه

وليعلم أنه لو لم يكن على دقيق حكمته تعالى ولطيف تدبيره دليل إلا القلم والخط به لكفى، قالوا الكتابة قديمة في غير العرب وأول من نقلها من الحيرة إلى الحجاز حرب بن أمية أخذها من أسلم بن زيد، وأخذها أسلم من مرار بن مرّة.
فقد أخرج بن الأنباري في كتاب الكلمة عن عبد اللّه بن فروخ قال: قلت لابن عباس يا معشر قريش أخبروني عن هذا الكتاب العربي هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث اللّه فيكم محمدا تجمعون منه ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام والنون؟ قال نعم، قلت ممن أخذتموه؟ قال من حرب بن أمية، قلت وممن أخذه حرب؟ قال من عبد اللّه بن جدعان، قلت وممن أخذه عبد اللّه بن جدعان؟ قال من أهل الأنبار، قلت وممن أخذه أهل الأنبار؟ قال من طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن، قلت وممن أخذه ذلك الطارئ؟ قال من الخلّجان بن القسم كاتب الوحي لنبي اللّه هود عليه السلام وهو الذي يقول:
أفي كل عام سنة تحدثونها ** ورأي على غير الطريق يعيّر

وللموت خير من حياة تسيئنا ** بها جرهم فيمن يسبّ وحمير

هذا وأول من اشتهر بالكتابة من الأصحاب أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي اللّه عنهم.
واعلم ان أصول كتابات الأمم اثنا عشر: 1- السريانية، 2- العبرانية، 3- الحميرية، 4- الفارسية، 5- اليونانية، 6- الرومية، 7- القبطية، 8- البربرية، 9- بالهندية، 10- الأندلسية، 11- الصينية، 12- العربية، ولها فروع كثيرة، هذا، وبعد هذه الآيات الخمس بتسع سنين وعشرة أشهر نزل قوله تعالى ردّا لغلو أبي جهل وتمرده وبغيه {كلآ} حقا {إِنَّ الإنسان} جنسه إذا تكاثرت.
عليه النعم {ليطغى 6} على غيره ويستكبر ويتجاوز الحد في المعاصي واتباع الهوى ولا يشكرها {أَنْ رَآهُ} أي ان راى نفسه {استغنى 7} وكثر ماله وولده فيأنف ويترفّع على غيره في المأكل والمشرب والملبس والركب والمسكن والترف وكان نزولها وما بعدها لآخر السورة بعد فرض الصلاة، بدليل النهي فيها عنها، وقد ألحقت بالآيات الخمس الأول على الصورة التي ذكرناها في مطلب جمع القرآن فراجعها.